Wednesday, 29 February 2012

نصف امـــــرأة




طفلة تحمل جسد أنثى وجهها باسم لكنه حزين تسكن الظلام ، تتوحد مع الليل وسكونه ، 

الصمت أفضل لغة لديها ، تمتلك مشاعر نادرة ، حساسة لابعد الحدود ، تقضي أغلب أوقاتها

بمفردها تشاهد المطر من وراء انوافذ غرفتها الضيقة ترسم على الزجاج ، تتهدج أنفاسها 

داخل صومعتها الزجاجية المحدودة الجدران و التي لا حدود لها في خيالها فتسع آلاف 

الأشخاص تراهم بالفعل وتتحدث إليهم ، وعندما تمطر السماء تقف لتراقص فارسها تحت 

المطر ، تركض ويركض خلفها ثم يأتي الربيع لتدخل في جنة خضراء واسعة تغنى وتقطف الورود 

بكل ألوانها المميزة وأشكالها الرائعة والشمس تملأ المكان ضياءا ودفء لم تكن لتحب الشمس

أبدا هي تكره الضوء تعشق البرد فتختفي وراء شجرة تهمس في أذن حبيبها وتمنحه وردة ثم 

ترحل بعيدا على ظهر فرس تسابق به الرياح .

دخل جدرانها الزجاجية لا تزل تنظر إلى وجهها بالمرآة ترسم الكلمات على الورق تلهمها 

موسيقى رحابنية تسمعها لتحلق بعيدا عن تلك الأركان المغلقة تصرخ من داخلها تود لو 

حطمت النوافذ والجدران ، تقف شبه عارية ثم تخبو في ركن صغير وتجهش بالبكاء .

لا أحد يسمع صراخها ، لا أحد أبدا والكلمات تأبى أن تخرج من حلقها ، رجل واحد يسكن قلبها

ووجدانها تركها ورحل ، تتسائل لما كل من نتعلق بهم في الحياة يسرقون قلوبنا ويرحلون 

وكأنما أكبر طموحهم في الحياة عذاب القلوب البيضاء النقية التي تئن وتتألم أكثر من كل البشر 

، لا تزل تبكي وهي تكتب في ركنها الصغير حتى تغفو في مكانها منهكة ، بالخارج يشتد 

المطر يطرق زجاج نافذتها بقوة فتصحو من عمق غفوتها لتفتح النافذة للأمطار تصفع وجهها 

حتى تغرق ملابسها والهواء يدفعها بعنف للخلف و شعرها يتطاير خلفها فتنهض لتفتح باب 

غرفتها وتخرج للحياة والمطر لأول مرة تجتاز الحواجز الزجاجية وتلامس بيدها قطرات المطر 

حقيقة لا خيال تتمنى لو تجسدت كل أحلامها الآن لطالما عاشت نصف امرأة بنصف حياة

ونصف موت تتمنى لو تجد فارسها هنا ليراقصها هذا المساء تحت المطر تتأرجح في السير 


وقد بدأت الشمس في الشروق بشعاع ضعيف يقوى تدريجيا ، النور يزداد حولها ، الأشجار 

تتألق و المياء تتساقط منها بعد ان غسلها المطر تتعالى فوقها تغريدات الطيور فيمر بجوارها

مجموعة من الأطفال بزيهم المدرسي يركضون في مرح ويبتسمون لها فتبتسم وتعشق الحياة

وتعشق أنها امرأة ، تسير بلا انقطاع تغتسل بضوء الشمس ترفض العودة لركنها المظلم 
وتستمر في الطريق .. ♥