Friday 15 October 2010

رنين الهاتف


في زمن ماقبل ثورة الإتصالات والهاتف والمحمول وحتى خدمة إظهار رقم الطالب كانت هذه القصة تحيا واقعيا بكل تفاصيلها

السعيدة والمؤلمة .. فهو لم يكن شابا عاديا .. كان رجلا يافعا وسيما يمتلك فنون الحوار واللباقة جذاب ، وسيم ..كما أنه ولد لأب وأم

أثرياء أشبعاه دلالا ورخاء عرف مسؤلية العمل مبكرا لوفاة والده وورث هو التركة وبعدها توفت أمه ليجد نفسه وحيدا في عالم كبير

يحيا في شقة فارهة ويرتدي اغلى الماركات العالمية ويقود احدث السيارات ويغيرها واحدة تلو الأخرى

ورجلا كهذا لن تخلو حياته أبدا من النساء فهن يملاءن وحدته وأوقات فراغه

ولم يكن يجد اي جهد للإيقاع بأي امراة يقابلها يكفيه نظرة وحوار قصير

لم يصلي فرضا في حياته منذ ان كان طفلا يصلي بجوار والده

لم يعرف الله في حياته قط هو فقط لعمله واوقات مرحه ونزهاته التي كانت تتجاوز كل الحدود

فالخمر كان شرابه المفضل والنساء في حياته ادمان لا يمكنه الشفاء منه والسهرات مع اصدقاء منتفعين يلونون له أفعاله ويصورون السيء منها شيء مثالي

كانت تأخذ الليل كله ثم يذهب البيت ليدخل في غيبوبة حتى الصباح ليخرج لعمله ويتابع حياته

ولكن

لابد من لحظات ملل .. اختناق .. عدم رضا عن النفس

فأساسه كان طيبا .. أبيه برغم رخائه وثراءه لم يشرب الخمر قط

وكان يصلي الفروض في  اوقتها وهو يتذكر ذلك جيدا

ويعلم ان حياة العبث التي يحياها ليست صحيحة ابدا وهو لم يشعر أبدا بأي راحة أو سعادة في كل مايفعل

تأتيه هذه النوبات الاكتئابية فيمكث في منزله يغلق حجرته يحاول التطهر مما هو فيه يحاول ان يمسك بالمصحف ويقرأ بعض الآيات ثم يضعه جانبا وهو مختنق من كل أفعاله

يفكر جديا في الصلاة ثم يطرد الفكرة كسلا وربما خجلا لتركه لها منذ سنين ومعرفته الجيدة انها ساعات من الندم ستزول ويعود لما كان عليه

هذا كان تفكيره .... وفي احدى نوباته الاكتئابية

والفراغ الذي كاد يقتله أمسك بسماعة الهاتف وضرب رقما عشوائيا مثلما يفعل في كل مرة يضرب رقما يتحدث قليلا للطرف الاخر وينسى الرقم

ويصحو في اليوم التالي وهو لا يذكر شيئا

شيء ما كان مختلف هذه المرة

ضرب رقما عشوائيا لكن الطرف الآخر كان صوتا حنونا ، صوتا لمس أوتار قلبه من اول كلمة فاستحلفها بالله ألا تغلق الخط فهو يحتاج بشدة لشخص يشكو اليه وحدته وحزنهوالقى برقمه عليها لأنه لا يذكر الرقم العشوائي الذي ضربهواستمعت إليه في رحابة وطيبة واحتوت لحظات ضعفه بكلمات تبث فيه القوة والإيمانكانت محادثة طويلة شعر معها براحة لم يألفها من قبل شعر بشعور قديم عندما كان يملك دفء بيت وعائلة واصدقاء حقيقيناغلق الخط واسترخى في سبات عميق حتى الصباح

**************

في الصباح استيقظ منتشيا ولو انه قد نسي سبب هذه النشوة ونسى تماما مكالمة المساء وبعدما انتهى من ضبط هندامه سمع

رنين هاتف المنزل التقط السماعة في سرعة وجد صوت مألوف لم يتذكره في البداية ولكن سرعان ماتهللت اساريره وابتسم ابتسامة عريضة اخبرته انها فقط كانت تريد الاطمئنان عليه بعد الحالة التي كان عليها امس شكرها كثيرا وطلب منها ان تتصل به في المساء او تعطيه رقم هاتفها لكنها رفضت ووعدته باتصال اخر في المساءثم توالت الاتصالات والاحساس بالراحة يزداد بدأ يشعر بانجذاب حقيقي نحوهاأعطاها كل أرقام هواتفه في المنزل والمكتب كان صوتها هو الذي يبعث البهجة في حياته وصار هو ملاذه الوحيدفهذا الصوت كان لامراءة قوية تمتلك روحا جميلة تقتر حنانا ورقة والتزام ، مرحة وهادئة ، شقية ومحترمة كان فيها شيء مختلف جعله ينجذب إليها بهذا الشكل السريع حتى انها بدلته تمامافغير اشياءا كثيرة في حياته لم يعد يفارق المنزل في انتظار رنين الهاتف حيث يأتيه صوتها الدافيءفيرمي بكل حموله على مسامعها ويستمع بحديث رائع وشيق معهاصار اكثر التزاما واكثر بهجة وحب للحياة ولكن الحياة الصحيحة بعيدا عن التخبط والعبث نفض عن كاهله اخيرا كل العبث انتظم في الصلاة وانتظم في عمله ، احساس بالراحة لم يشعر به من قبل ينظر خلفه ويتدبر امره قليلا يجد انه قد تغير تماموبفضل هذه المرأة التي خلت حياته فجأة استحلفها ان تخبره برقم هاتفها او حتى اسمها ولكنها رفضت تماما فاعترف لها أنه يحبها ويريد الزواج منها .. انه يعشقها حتى وان لم يراها هي في نظره اجمل فتايات العالموكان ردها القاسي بسر دفين .. أخبرته انها مريضة أخفت عنه هذا المرض وانها ستسافر لاجراء عملية جراحية بالخارججاء موعد السفر وظل ينتظر رنين الهاتف كما وعدته انها تتصل به من الخارج حتى موعد اجراء العملية كانت تبعث له بالخطابات وتتصل به تليفونيا وفجأة انقطع الرنين اربعة ايام ووصل خطابها بتاريخ اخر اتصال تخبره انها ستدخل اليوم لإجراء العملية ، تطلب دعواته ، حبيبي ادع لي ان اعود سالمة وحينها سأخبرك من أكون وسأخبرك كل ماتريد ان تعلمه عني وان لم اعد فتكفي تلك الأيام التي مضت ونحن معا على الهاتف قد يجمعنا الله في مكان آخر افضل ،يتمزق حبا وشوقا ولوعة على حبيبته التي لا يعلم حتى اسمهالا يعلم ان كانت لاتزال على قيد الحياة ام توفت ولن يسمع صوتها للأبديبكي ألما يمزق انفاسه تمر الأيام عليه قاسية طويلة يتذكر صوتها يملاء عليه وحدته وحزنه لقد وعدها ألا يعود لما كان عليه فلن يعود ابداوهو لا يزال على عهدهاوهي لازالت في قلبه لم ينساها كلما سمع رنين الهاتف ركض نحوه ربما تكون هي فيصرخ حبيبتي اشتقت اليك كثيرثم يتبين الصوت فيصاب بخيبة الأمل ينهي المكالمة سريعا وينتظر رنين الهاتف مرة ثانية وهكذا استمرت ايامه في انتظار بل استمرت لسنين طوال حتى بعث بقصته لاحدى الصحف باب حل المشاكل وبعد نشر قصته بعثت احداهن ردا بأنه ربما تعرف من يتحدث عنها هذا العاشق الحزين فصديقتها ذهبت لاجراء عملية بالخارج وكانت قد قصت لها عن حبيبها بنفس هذه التفاصيل وعرضت ان تقابل الشخص نفسه وتثبت له لأنها تعلم ارقام هواتفه واسمه ومكان عمله وكل هذا المعلومات كانت تحتفظ بها صديقتها واخبرتها عنهاولكن لم يصدق ورفض هذه المقابلة وفضل ان يبقى داخله أمل أن تعود ويسمع رنين الهاتف من جديدوعندما يلتقط السماعة سيسمع صوتها الحنون

ولازال ينتظر .. 

Monday 20 September 2010

بعض الجراح تبقى




وقفت وراء زجاج النافذة تتابع المارة وهي تنتظره ، اليوم مر على زواجهما شهرين ، ومع ذلك تشعر أن الملل بدأ يتسرب لعلاقتهما
لكنه عندما ودعها في الصباح ذاهبا لعمله أخبرها أنه سيظل يحبها للأبد وحتى لا تثار بداخلها هذه الشكوك الشيطانية

اقترح عليها أن يستمتعا بنزهة وعشاء في المساء فغد نهاية الأسبوع ولا عمل كما أنه كان مشغولا كثيرا في الفترة الأخيرة واشتاق إليها وإلى الجلوس معها أطول

وقت ممكن ، نظرت إلى ساعة يدها ثم شردت وهي لا تزال تتابع المارة بعيون تائهة وحزينة ومرتقبة
حتى لمحت سيارته وعقبها سمعت رنين هاتفها المحمول فأمسكت به ثم حملت حقيبتها وأغلقت الستائر ثم ذهبت اليه مسرعة
وفكرة واحدة تدور في رأسها مر على زواجنا شهرين وإلى الآن لا أدري هل أحببته أم لا ؟؟ لا أدري !؟
في المطعم
كان المكان شديد الرومانسية والدفء والفخامة سحب المقعد حتى تجلس فابتسمت له ابتسامة رقيقة وعندما جلس أمامها تناول يدها
بين كفيه وراح يغدقهما قبلا ليبثها شوقه وحبه وعندما اتاهما النادل رأتـه كان يجلس على طاولة في نهاية المطعم بعيدا عن الموسيقى والبشر
يحتضن إمرأة جميلة ، رأت في عينيه نظرة حب لم تراها أبدا في عينيه من قبل عندما كان يقسم بأنه يحبها ... رباااه .. صرخ عقلها
من أتى به إلى هنا في نفس المكان .. وفي نفس اليوم الذي آتي فيه مع زوجي يالها من صدفة قاسية
لم يراها هو ... لم يراها أبدا .. نظرت إليه مرارا ولكنه كان منفصلا عن ذلك العالم كان يحيها مع حبيبته
في عالم آخر منفصل عن المطعم بأكمله
هيا نرقص ؟؟
جذبها سؤال زوجها من شرودها وحزنها فقامت لترقص معه وضعت رأسها على كتفه .. وسألته دون ان تنظر إليه
لماذا تحبني كل هذا الحب ؟؟
اذن فأنت تعلمين بمكانتك في قلبي فكيف تسألين سؤالا كهذا وانتي تدركين أن الحب عندما يصيبنا
لا يمكن أبدا ان نجد له اسبابا أو مبررات
هل أنت متأكد من حبي لك ؟
الزوج : أعلم انك تحبينني ولكن بالتأكيد انا احبك أكثر واكثر واكثر ثم احتضنها .. فنظرت خلفه لتجد حبيبها القديم يرقص مع حبيبته تلك الحسناء ، والإثنان غائبان عن هذا العالم
شردت متألمة عذبني كثيرا هذا الرجل جرحني وتركني بلا مقدمات حتى قبلت الزواج بـأول من أحبني بصدق
وان كنت لم احبه حتى الآن ترى لماذا لا استطيع أن أحب من يعشقني ويقدرني إلى هذا الحد ؟
ولا أزال أتألم وينفطر قلبي كلما رأيت ذلك المخادع أمامي ؟؟؟
لمذا بعض الجروح لا تندمل بسهولة ؟
تركت رأسها تنام على كتفه والدموع تنهمر من عيناها في هدوء وحرارة